ما من فنان يكون خلال الساعات الأربع والعشرين بأسرها من أيام حياته اليومية فناناً بغير انقطاع، وذلك أن كل ما هو جوهري، ودائم يوقف إليه الإنسان توفيقاً، ولا يحدث ذلك إلا في لحظات الوحي الفلائل والنادرة. وكذلك لا يكون التاريخ الذي نعجب فيه بالمشاعر وهو المصدر الأعظم في كل ننسى نادرة، كما العصور قاطبة، خلاقاً على نحو متواصل بحال تعد كذلك في كل مكان في الفن والحياة. من الأحوال. وهنا أيضاً : تعد اللحظات التي
إلى جانب وفى أغلب الأحيان لا يرتبها الترتيب الزمنى بحكم كونه مؤرخاً، إلا بغير مبالات وبمثابرة، فقطة إلى -نقطة، في تلك السلسلة الهائلة التي تمتد على مدى آلاف السنين، وواقعة إلى جانب واقعة، لأن كل توتر يحتاج إلى زمن للتحضير والإعداد، وكل حدث واقعي يحتاج إلى تطوير.
ويعد الملايين من البشر ضمن إطار شعب من الشعوب، ضروريين دائماً ، لكي تنشأ عبقرية من العبقريات. ولا بد دائماً، أن تنسرب الملايين من الساعات في تاريخ العالم هدراً قبل أن تظهر إلى حيز الوجود ساعة تاريخية حقاً، ساعة حاسمة من ساعات البشرية. ولكن إذا نشأت في الفن عبقرية تخ تخطت العصور، فإنها تحدث في ساعة فى تاريخ البشرية تنشئ حسماً يمتد على مدى عقود من الزمان وقرون furat.
ومثلما يحدث فى أضيق حيز من الزمان، وما يجري فى العادة مسرحياً بعضه إثر بعض، أو بعضه إلى جانب بعض، فإنه يضغط في لحظة واحدة، تحدد كل شيء، وتفصل في كل شيء : كلمة نعم واحدة، أو كلا واحدة، أو لما يئن الأوان... بحقل من هذه الساعة ساعة حاسمة لا رجعة فيها، على مدى مائة جيل، وترسم معالم حياة فرد أو شعب، بل حيرة المصير للبشرية بأسرها، وأمثال هذه الساعات المجمعة هنا تجميعاً مسرحياً، والنزاعة إلى تقرير المصير، والتي ينحشر فيها حسم يتخطى خدود العصر في تاريخ واحد، وفي ساعة وحيدة، وفي كثير من الأحيان في دقيقة واحدة فحسب، نادرة في حياة فرد، ونادرة على مر التاريخ.
وفي هذا الكتاب يحاول "ستيفان تسفايج" أن يذكر بعض من أمثال هذه الساعات الحاسمة، وقد أطلق عليها هذا الاسم لأنها تشع بنورها كالنجوم، مضيئة، لا تتبدل في ليل الغناء والزوال، من عصور وأصقاع شتى. ولم
عدد الصفحات : 367
سنة النشر : 2018
الناشر : دار المدى للنشر والتوزيع